أظن أن لي أذنا معطوبة. هذا لحبي الاستماع إلى التسجيلات القديمة أو الجديدة التي تشوبها "وشة" ما. تلك التي يعرفها علماء الصوتيات بضجيج الصوت. أبحث دائماً عن أي تسجيل عفوي لم يكن القصد منه النشر والتوزيع؛ تلك الشوائب والتسجيلات "العفوية" تعطي شعوراً بالتدفق السريع، غريب، منبعه نقص العمل وعدم اكتماله وفقا لشروط الجودة المعاصرة. كأن العطب نفسه يحمل حقيقة أكبر من الكمال المصطنع.
لأن الإنسان كائن جدلي؛ في عصر الصوت الرقمي فائق النقاوة، صار كل شيء واضحا حد الملل! ربما لأننا نحب ترك مساحة حرة، فالصوت المحسوم والمحدد والمقولب، لا يترك مساحات للشك والتساؤل.
هذا في عموم الأمر، أما عندما تجتمع "شوائب" التسجيل الصوتي مع لحن عظيم لسيد درويش - الذي وقعت في غرام مزاجه الموسيقي - هذه حكاية أخرى.
ما شدني فجأة، وبسرعة عطب غير متوقع، الألحان المختلفة. مثلا منذ زمن طويل، أدمنت سماع "اقرأ يا شيخ قفاعة" و"بوخومار خنفشار" - طبعا هذه الأسماء غالبا ما تنكرها الطبقة المثقفة "العالية" - ومن ثم غرابة الكلمات وطزاجتها.
ومنذ بداية كورونا وعقلي عامر بلحن الأخيرة، خصوصاً عندما يرد الشامي على الفلاح: "شو دخلك، اسرحلك خيو، بحبة صابون!"
لعل من كثرة غسل الأيدي والتعقيم، صار هذا البيت يرن في أذني كلما رأيت قطعة صابون. سيد درويش، في ذكائه الاستشرافي، كان يعرف أن الصابون سيصبح يوماً رمزاً للقلق الجماعي، لطقوس الخوف اليومية.
أم أن المسألة أعمق من ذلك؟ أن التاريخ نفسه فيه وشة؟
لاحقا لاكتشافاتي العظيمة في الصوتيات، لاحظت أيضا أنني أميل إلى الأصوات البشرية المماثلة، أي التي تحمل تدفقا عفويا غير مضبوط كأنها تنبع من علو، علو الحالة طبعا. هذه الأصوات غير المدربة، ربما المبحوحة والخشنة - نستحضر تنحنح الشيخ إمام في مقدمة "فاليري جيسكار ديستان" - غالبا لا تقبل في المعاهد العليا.
وبس، السلام والبرمجة
من "تأملات كورونية" بتصرف